ما وجه التوفيق بين القواعد الإسلامية الثابتة وبين تطورات الزمان المتغيرة؟

إن قضية تطورات الزمان، وثبات الضوابط والقواعد الإسلامية، أثارت هذه الشبهة دائماً بأنه كيف يمكن التوفيق بين هذا الثابت وذاك المتغير؟

لكن ينبغي الانتباه إلى أن قضية الزمان وتغير الظروف وإن كان أمراً صحيحاً لكنه ينطوي على نقطة دقيقة ولا يلتفت إليها غالباً؛ وهي أن الإنسان بما هو فرد وكذا الإنسان بما هو مجتمع أي المجتمع الإنساني، بمنزلة قافلة دائمة الحركة تتنقل من منزل الى آخر، وليست ثابتة ورتيبة.

إذن لو أردنا أن نضع الإصبع على المنازل ونوقف المجتمع الإنساني عند أحد المنازل الذي حلّ فيه مؤقتاً، فلا شك أنه يخالف قانون الطبيعة.

لكن هناك فرق بين المنزل والطريق؛ حيث يتغير المنزل لكن هل يعني ذلك تغير الطريق أيضاً؟ هل المسيرة التي يقطعها المجتمع ويعترف الكل – كما نعترف نحن وأنتم كذلك – أنها مسيرة تكاملية، تتغير وتغير جهتها أيضاً؟ يعني هل الطريق أيضاً لا يزال في الطريق؟ بمعنى أن البشر والمجتمع البشري  يتحرك كل يوم في جهة، وفي كل مرحلة من مراحله في طريق ومسيرة متجددة؟ ويغير حركته نحو هدف آخر؟ بأن يسير اليوم في جهة وغداً في أخرى وبعد غد في غير ذلك؟

أم أن المسيرة التكاملية للبشر والخط الذي اتخذه طريقاً لنفسه، هو خط ثابت؛ يشبه مدارات الكواكب ومدارات الذرة، حيث تتحرك الكواكب دائماً لكن هل تتغير مداراتها على الدوام أيضاً؟

فكونها تتحرك في مدار هل يستلزم التغيير في مداراتها أيضاً؟ بحيث لو لم يتغير المدار يتسمّر الكوكب في نقطة واحدة؟

لا، إن حركة الكواكب لا تستلزم تغيير المدار بالضرورة. وبالنسبة للإنسان والإنسانية يطرح السؤال التالي وهو أنه: هل الإنسانية والكمال الإنساني والقيم الإنسانية حقائق متغيرة ومتبدلة؟ بأنه كما تتطور مستلزمات الحياة الإنسانية ومظاهر المدنية باستمرار، كذلك تختلف وتتغير معايير الإنسانية يوماً بيوم؟

بأن يكون الشيء الذي كان في يوم معياراً للإنسانية ويستحق المدح والتبجيل، يفقد قيمته في يوم آخر وتصبح النقطة المقابلة له هي معيار الإنسانية؟ مثلاً: نعرف في تاريخنا أنه قبل ألف وثلاثمائة عام أو أربعمائة عام كان رجلان يُدعى أحدهما أبا ذر والآخر معاوية. حيث كان أبو ذر يتحرك في مدار معين بالنسبة إلى معاييره الأخلاقية والاجتماعية. ويتحرك معاوية في معاييره الفردية الأخلاقية والاجتماعية في مدار آخر وعلى خلاف حركة أبي ذر تماماً.

والسؤال أنه هل يتغير المعيار الحقيقي في كون الإنسان مثل أبي ذر؟ أو بعبارة أخرى إن الذي صنع من هذا أبا ذر ومن ذاك معاوية، أو الذي صنع من لومومبا تلك الشخصية التي تستحق أن يمجدها العالم، ومن مويز تشومبي ذلك الإنسان المذموم، هل تعتقدون أنها معايير تتغير في العالم؟

بأن يأتي يوم يعتبر فيه أمثال تشومبي ومعاوية معياراً للإنسانية؟ ويصبح أمثال لومومبا وأبي ذر أعداء الإنسانية، بأن سلوكهم لم يعد سلوكاً إنسانياً؟

أم لا، بأن الإنسانية تتكامل؛ لكن لا بمعنى أن أمثال أبي ذر يخرجون عن مدار الإنسانية إلى الأبد، لذلك فالإنسان بحكم مداره الثابت (لا كونه ثابتاً بنفسه)، يمتلك ضوابط ومعايير تمثل دلالات الطريق، أي هي تدل على الطريق دائماً.

✍️ المفكر الشهيد مرتضى المطهري