بيان العلامة الطباطبائي (ره)
باسمه تعالى
في ذكرى شخصية علمية وفلسفية غمَرت أسى رحيلِها عالَـماً، وتركت دنيا العلم والفضل في حداد فقدها.
إن المرحوم المغفور له المطهري كان عالماً ومفكراً محققاً، يتمتع بذكاء فائق، وفكر نيّر، وذهن واقعي الرؤية، وما خلّف وراءه من تأليفات ودراسات تلوح في طيات كتبه حول المقاصد العلمية والبرهانية، لهي مثيرة للإعجاب.
إن المرحوم المطهري عبر تاريخ حياته القيمة والسعيدة التي كانت مليئة بالجهد العلمي والفكر الفلسفي يبعث رسالة واضحة قيّمة لتَوّاقي العلم والفلسفة بأن لا يفتروا عن الجد والجهد الكمالي قطّ ولا ينسوا الجهاد العلمي والكمالي أبداً، وأن يحوّلوا حياتهم – التي هي أفضل متاع إنساني في سوق الحقائق – إلى حياة معنوية إذ هي الحياة الإنسانية العالية، وهي الباقية ما بقي للكون وجود، فلا يُفتَنوا ولا يغترّوا بالشخصيات المزيّفة والوهمية في هذه الأيام القلائل من الدنيا. نعم إن طريقاً ضيّقاً قد يشقّه العالِم نحو الحقائق، يمنحه حياة أبدية أثمن من الدنيا وما فيها.
محمد حسين الطباطبائي
مقابلة مع العلّامة الطباطبائي بعد استشهاد الأستاذ المطهري
كان المرحوم المطهري یتمتع بذكاء غير عادي، ولا تفوته المطالب [العلمية].
كان یستوعب ما نقول ویصل إلى مغزاه، كانت هذه حالاته.
ثم إضافة إلى التقوى والإنسانية والجوانب الأخلاقية وغيرها من الصفات التي كان يتحلى بها حقاً كان له ذكاء وافر أيضاً و لا يضيع أي شيء كنت أعلّمه، كنت واثقاً أنه لن يضيع هدراً .
قد لا تكون هذه العبارة جيدة لكن الواقع أنه لما كان يحضر مجلس درسي كانت تعتريني حالة الرقص! من فرط الشوق والابتهاج، لعلمي أنّ ما أقوله لن يضيع شيء منه هدراً بل محفوظ تحقّقه.
عندما بدأتم بالدرس معه كم كان عمره تقريباً؟
حوالي ٢٥ أو ٢٦ سنة، ففي العام الماضي قال لي: إني بلغت ٥٧ سنة، وعليه فلو أضفنا هذه السنة الأخيرة يعني أنه بلغ ما يقارب ٥٨ سنة.
ثم تزوج واختار منزلاً هنا …
وبدأنا بمباحثة مقالات كتاب”أصول الفلسفة والمنهج الواقعي” وفي هذه المطالب أيضاً كان الوحيد الذي أثق به من كل جهة ولا يضيع كلامي عنده هدراً. فشرع في تدوين الحواشي على القسم المقروء من الكتاب وكتبها في ذلك الوقت حيث أنهى أربعة مجلدات منها، غير أن المجلد الرابع لم ينته بعد حيث يقع الكتاب في خمسة مجلدات.
هكذا كان وضعنا …
حتى أنه بالنسبة إلى رسالة فلسفية باسم القوة والفعل كان يبدي شوقاً ورغبة كبيرة، حتى ألجأني إلى الذهاب إلى طهران والبقاء في منزلة أسبوعاً لنقوم بحلّ مسائل تلك الرسالة، إذ لم تُحلّ له بعد. فكنا نشرحها ليلاً ونهاراً على مدى أسبوع كامل.
ومع ذلك فهو أخيراً صار ذا رأي ونظر؛ أي كان يفهم المطالب ويحكم فيها.
نعم كان له رأي، هذا أفضل تعبير.
متى كان حضوركم في منزله لحل مسائل القوة والفعل؟ أي كم سنة تمر على ذلك؟
أظنها كانت قبل ١٥ سنة تقريباً.
أي ضرورة شعرتم بها لتأليف أصول الفلسفة؟ وهل كان الشهيد يعرض الحواشي عليكم لملاحظتها؟
بلى، كنت ألاحظها.
وما هي الضرورة التي شعرتم بها لتدوين أصول الفلسفة؟
سيدي إن الضرورة أن المقالات كانت مجملة ومضغوطة، وكنا نبغي بسطها وإيضاحها؛ والذي كان جديراً بهذه المهمة هو المرحوم المطهري، فشرع فيها وفعلاً نجح بأفضل وجه.
لذلك كنا نسلّمها له بكلتا اليدين ليقوم بحلّها وفعلاً تمكن من حلّها، وما كتبه جدير بالاهتمام.
فكان ذا رأي.
يرحمه الله إن شاء الله.
كان فقده كارثة.
ماذا عساي أن أقول … هكذا كان.
مقابلة أخرى مع العلّامة الطباطبائي بعد استشهاد الأستاذ المطهري
لما انتقلنا من تبريز وتشرفنا بالحضور في قم، بدأنا بالدرس، وكان الدرس الذي بدأنا به «الأسفار». فصادف أن السيد [الإمام] الخميني أيضاً كان يدرّس الأسفار. ثم توقف عن تدريسه وتقاطر الطلاب علينا.
فقرأنا المتن في مدة تزيد على عامين تقريباً ثم درّسناهم الشفاء، كتاب الشفاء لابن سينا. إلى أن انتهى وبعد ذلك كان لا يزال المرحوم المطهري يراجعنا. حتى ألحّ علي فاصطحبني إلى طهران وأنزلني في بيته، وكنا نتباحث من الصباح إلى المساء قبيل النوم وكان سريع الاستيعاب لما كتبناه.
المرحوم المطهري رحمة الله عليه كان ممتازاً في المسائل المختلفة خصوصاً العلمية وكان الآخرون يستفيدون من تراثه فينتفعون بمسائله العلمية وما ألّف من كتب.